- احزان القلبعضو تنظيمى
- النقاط المكتسبه : 5048
عدد الرسائل : 1700
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 18/02/2012
الشعبيه : 0
حدود مصر أطراف بلا حياة.. جنوب سيناء.. ثلاثون عاماً من الإهمال
الخميس فبراير 23, 2012 12:29 am
حدود مصر أطراف بلا حياة.. جنوب سيناء.. ثلاثون عاماً من الإهمال.. مرضى محاصرون بين مستشفيات للصفوة وأخرى بلا أطباء.. وتطعيمات الأطفال من أعشاب الجبال
الخميس، 23 فبراير 2012 - 08:45
لم تكن الطبيعة الصحراوية التى يعيشون فيها، ولا ابتعادهم عن القاهرة، العاصمة المركزية وغيرها من المدن الكبرى السبب فى أن يظل بدو سيناء محرومين من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، ولكن السبب الأساسى كان تجاهل نظام مبارك للبدو وتعمده إبقاء الوضع فيها على حاله بعيدا عن جهود التنمية العمرانية والبشرية، يتساوى فى ذلك ربوعها الثلاثة «شمال ووسط وجنوب»، وهو بالفعل ما يلخصه أهل سيناء فى عبارة لا يملون من ترديدها «مبارك تعمد إهمالنا من أجل الحفاظ على الأمن الداخلى لإسرائيل»، وهى عبارة تحمل قدرا كبيرا من خطورة الاتهام ومرارة الظلم والحلم بالمستقبل، كما تعنى أن الاهتمام ببدو سيناء بعد ثورة 25 يناير لم يعد يحتمل الاختيار، لأنهم جزء من هذا الوطن.
فى جنوب سيناء التناقض يتضح فى كل شبر من مدنها «دهب - شرم الشيخ - نويبع - طابا»، وبين فخامة القرى السياحية وتجهيزها على أعلى مستوى، يفتقر البدو لأبسط حقوقهم فى الخدمات الاجتماعية والصحية اللازمة، فالخيام والمنازل من الصفيح منتشرة فى كل مكان والمحال التجارية ليست على المستوى المطلوب، فقد تجد محلا صغيرا أمامه حبل غسيل هو بالأحرى «دراى كلين»، والأعشاب وحبة البركة تحل محل تطعيمات الأطفال.. والظاهر للعيان بوضوح أن توفير فرص العمل والحياة الكريمة هى أهم احتياجات بدو جنوب سيناء بعد ثلاثين عاما من التجاهل والتهميش.
الأهالى يضعون الكفن جوار فراش المريض.. ومدير مستشفى نويبع يعترف: تطرف المكان وضعف المرتبات سبب هروب الأطباء وما «باليد حيلة»
مشهدان لا ثالث لهما يلخصان الوضع الطبى فى جنوب سيناء، مستشفيات درجة أولى تخدم قطاع الصفوة أو مستشفيات بلا أطباء ولا يرتادها المرضى، وفى النهاية الأغلبية المتوسطة والفقيرة هى من يدفع الثمن.. فى جنوب سيناء الأطفال لايتلقون التطعيمات اللازمة منذ الولادة ويكتفون بالاعتماد على الطبيعة والأعشاب الجبلية للعلاج، يقول أحد الأهالى «الحكومة تعتبر تطعيمات الأطفال نوعا من الرفاهية لا يصح أن يطلبها المجتمع السيناوى، ولكن الله يعلم أننا نخشى من انتشار الأوبئة وخصوصا الطاعون بسبب امتناعنا نحن وأطفالنا عن التطعيم».
عيسى الترابين رجل كاد يفقد ابنته الرضيعة بسبب الإهمال فى مستشفى نويبع المركزى، يقول الرجل مشيرا بيده تجاه الشمال «ابنتى الرضيعة فقدت النطق والحركة، جرينا بيها على مستشفى نويبع المركزى فى الفجر، لكننا لم نجد طبيبا واحدا بالمستشفى وبعد 15 دقيقة نصحنى التمرجى النبطشى بنقلها لمستشفى شرم الشيخ وهو يبعد عن نويبع ساعتين بعربة الإسعاف، وبعد 15 دقيقة من البحث عن سائق لعربة الإسعاف حتى عثرنا عليه رفض التحرك لمستشفى شرم الشيخ لاختلافه مع التباع وتركونى أنا وابنتى دون معين»، المشهد السابق أكده الشيخ سلامة، موضحا أن بدو الجنوب يختصرون الطريق ويلجأون لمستشفى شرم الشيخ أو السفر إلى القاهرة أو حتى فى أسوأ الحالات إلى مستشفى العريش لطلب العلاج.
الحديث عن الإهمال الطبى فى مستشفى نويبع المركزى واضطرار الأهالى لقطع مئات الكيلومترات لإنقاذ طفل أو كهل فى نزعه الأخير بدلا من عدم اللجوء إليه وتركه ليواجه «رب كريم» كان لابد من التحقق منه.. ذهبنا إلى منطقة البلد فى نويبع حيث يوجد مستشفى نويبع المركزى على بعد 10 دقائق من الميناء، ببساطة يمكن وصف المستشفى بأنه «بلا أطباء ولا مرضى»، فرغم فخامة البناء وتوافر معظم الأقسام الطبية الضرورية لأى بناء طبى غرضه الأول إنقاذ المرضى فى وقت قياسى كأقسام الـباطنة، والعظام، الأشعة، الجراحة والعناية المركزة وغيرها، إلا أنه خال تماما من الأطباء، ليس سوى عدد قليل من «التمرجية» وعمال الإسعاف، لذا يعتبره أهل سيناء فى أجازة دائمة.
بمواجهة نائب مدير المستشفى الدكتور محمود أحمد السيد، استشارى الجراحة العامة، بشكاوى الأهالى من ضعف إمكانيات المستشفى رغم تجهيز البناء على أعلى مستوى، أكد السيد صحة الشكاوى معترفا بوجود تقصير فى توفير العدد الكافى من الأطباء بالمحافظة كلها بحجة ضعف المرتبات وتطرف المنطقة، قائلا «شكاوى الأهالى حقيقة ولكن ما باليد حيلة - على حد تعبيره، فرغم تجهيز المستشفى على أعلى مستوى وضمه جميع التخصصات، كما أن وزير الصحة السابق حاتم الجبلى أصدر قرارا بترميم المستشفى عام 2009 بـ4 ملايين جنيه إلا أن الأطباء يرفضون الانتداب لجنوب سيناء، بحجة بعد المسافات وانخفاض المرتبات».
يضيف السيد «مرارا وتكرارا حاولنا إرسال شكاوى لوزارة الصحة ولكن دائما تأتى الإجابة غير شافية، والإدارة الطبية نرسل لها شهريا إحصائيات توضح نقصا فى عدد المرضى مما يعكس قصورا فى عدد الأطباء ولكن لا نحصل على رد كاف، فالطبيب يتظلم للوزارة بحجة انخفاض الأجور رغم أن مرتبهم فى الانتداب يرتفع إلى %700، وأغلبهم يستغلون علاقاتهم لوقف الانتداب، ولكن فى الوقت نفسه لا أستطيع إغلاق المستشفى لعدم توفير أطباء فذلك فى النهاية مسؤولية وقرار تابع لوزارة الصحة».
الوضع لم يختلف كثيرا فى طابا، فصعوبة الخدمات الطبية فى طابا وعدم وجود عربة إسعاف اللهم المستشفيات الاستثمارية التابعة للقرى السياحية، تضطر الكثير من الأهالى فى كثير من الأحيان لتوفير الكفن بجوار فراش المريض والتسليم دائما بفكرة الموت.
يقول الشيخ سلامة عطية «أقرب مستشفى فى طابا يوجد على بعد 9 كيلو من التجمع البدوى وهو أفقر حالا من حال مستشفى نويبع المركزى فهو مستشفى غير مجهز وغالبا ماتحول الحالات منه إلى مستشفى شرم الشيخ أو إلى القاهرة مباشرة، فطبيعة طابا الساحلية وقربها الشديد من حدود ثلاث دول يفرض عليها التهيئة فى وضع معين، فمثلا لايمكن أن نجد عيادة رخيصة لأهالى البلد ولكن أغلب العيادات تابعة للقرى السياحية والفنادق وبالتالى فهى تفوق طاقة الأهالى أغلب البدو تحت خط الفقر لا يستطيعون تحمل نفقات العيادات الخاصة».
«الأمية» تفرض سطوتها من نويبع إلى طابا.. و شيوخ الجنوب: الاحتلال الإسرائيلى بنى لنا مدرسة ومبارك أغلقها
الأهالى يبيعون ممتلكاتهم لتعليم أبنائهم فى القاهرة والعريش.. ونسبة الأمية تزيد على 80%
نسبة الأمية تزيد على %80 بين أهالى جنوب سيناء لعدم وجود مدارس أو حتى أماكن لتحفظ الأطفال القرآن وتعلم المبادئ الدينية، وعلى طالبى العلم اللجوء لـ«القاهرة أو العريش»، وهو ما يضطر أن يفعله معظم الأهالى ممن يؤمنون بأهمية تعليم أبنائهم، حسب قول الشيخ جمال عيسى، لبيع ما تيسر لهم بيعه من ممتلكاتهم لتوفير نفقات تعليم أبنائهم ولو حتى لمرحلة يسيرة، مضيفا «أهالى القبيلة يجتهدون فى توفير الرزق، ويتغربون فى أماكن بعيدة، لتوفير الأموال اللازمة ليس لإطعام صغارنا فقط ولكن لتوفير حقهم علينا فى التعليم سواء كانوا صبية أو فتيات»، ويواصل: «نويبع لا يوجد بها فصل دراسى واحد، معظم الفتيات فى الجنوب نظرا لصعوبة حال أهاليهم المادية لا يتلقين التعليم أو يحصلن على قدر يسير منه يمكنهن من قراءة القرآن لأن التركيز يكون بشكل أكبر على الشباب».
فى طابا الوضع لا يختلف كثيرا فمعظم الأهالى بعد يأسهم من توفير الحكومة وسائل تعليمية تليق بوضع المجتمع السيناوى يضطرون لإرسال أبنائهم للعريش أو القاهرة لتحصيل العلم، الشيخ سلامة عطية قبيلة الأحيوات، قال لنا فى امتعاض إن النظام لم يحاول إنشاء مدارس أو حتى كتاتيب بعد إغلاقه المدرسة الوحيدة التى شيدها الاحتلال الصهيونى منذ ثلاثين عاما وأصبح الحل الوحيد يقتصر على اعتماد الأهالى ذاتيا لتوفير التعليم لأبنائهم.
يقول الشيخ «بعد انقطاع آخر أمل لنا مع النظام السابق وفشل كل محاولتنا لتوفير التعليم لأطفالنا أنشأنا فصلا صغيرا به مقاعد يسيرة لتوفير التعليم لأطفال الجنوب، فى طريق المرايخ. فى البداية كنا نعتمد على بعض شباب البلد ممن تلقوا تعليمهم للتدريس للأطفال، ولكن لظروف الحياة القاسية ورغبتهم فى الرزق اضطررنا للتعاقد مع أساتذة من المدن بحيث يقدمون المواد التعليمية 5 أيام فى الأسبوع للأطفال».
على سليم، شاب من الأحيوات، قادنا لتلك المدرسة الصغيرة لمشاهدة محراب العلم لأطفال جنوب سيناء.. المدرسة الصغيرة تقع قبل مدخل طابا بحوالى 2 كيلو فى طريق المرايخ كما ذكرنا.. البناء أكثر من متواضع فهو عبارة عن حجرة صغيرة قديمة الملامح جدرانها البيضاء شبه متآكلة لا يوجد بها أى وسائل تهوية ولا حتى شباك صغير، سقفها خال من أى وسيلة للإنارة، وعلى السطح يوجد علم مصر صغير يقاوم السقوط يبدو من هيئته أنه فى مكانه من عشرات السنين، الحجرة من الداخل أسوأ حالا، مكونة من 7 مقاعد محطمة تسيطر عليها رائحة العفن نتيجة تجاورها مع الحمام «بيت الراحة»، وبالسؤال عن المعلمين أكد لنا سليم أن أسابيع قد تمر دون أن يشهد الفصل معلما واحدا ويضيف: «المدرسون تقريبا هجروا التدريس فى الفصل، فالفصل بلا كهرباء ولا مياه نظيفة وعندما نشتكى للشيوخ لا نجد ردا سوى ما باليد حيلة».
الشيخ عيد على، من قبيلة الأحيوات، رجل مؤمن بحق الفتيات فى تلقى التعليم، لذا يرسل ابنته الصغيرة التى لم تكمل الـ12 عاما لتلقى التعليم كل فصل دراسى فى العريش ولكن فى حماية أخيها، مضيفا «كله إلا التعليم حتى لو تجاهل النظام حقنا به أو استخف به، نحن لا يمكن أن نستسلم، رغم صعوبة إمكانات المعيشة ولكن دائما أسعى لتوفير مبلغ من المال كل عام يكفى لتعليم الفتاة والصبى كل فصل دراسى بالعريش يكفى لمصاريف التعليم والإقامة فى شقة بسيطة.. وربنا كريم». زوجة الشيخ عيد، سيدة فى الثلاثين من عمرها التقينا بها فى منزلها المشيد من الحديد وصوف الماعز، وصفت لنا حالتها القلقة على أطفالها التى لم تتغير حتى الآن مع ذهابهم كل موسم دراسى لتلقى التعليم قائلة «الوضع فى الجنوب لا يساعد على الحياة وأتمنى أن تزور المنطقة زوجة أى مسؤول بالحكومة فهى أم مثلى ولابد أن تشعر بما أعانيه من مشاعر عندما أفارق أطفالى ليتعلموا بعيدا عنى ولا أعيش معهم سوى أربعة شهور فى السنة».
قبائل الجنوب تحذر: «لن نسمح بتكرار معاملة النظام السابق»
الشيخ جمال عيسى: إحنا خايفين من البرلمان وأى حكومة جديدة.. لأن الكُل عايز يركب الكرسى وخلاص
مفردات المشهد السياسى فى جنوب سيناء لم تختلف كثيرا عن فترة ما قبل الثورة فى جميع مدن الجنوب سواء فى دهب أو طابا أو نويبع، فأزمة الثقة بين رجل الشارع والحكومة لا تزال حبالها ممتدة، ومعظم قبائل البدو لم تكن على صلة وثيقة بالقوى السياسية التى اكتسحت مشهد الصدارة فى الانتخابات سواء من الإسلاميين الذين حصلوا على الأغلبية فى نتائج انتخابات المراحل الثلاث أو حتى باقى القوى السياسية ذات الأيديولوجيات المختلفة لدرجة إصابتهم بالقلق.
الشيخ جمال عيسى من قبيلة الترابين أعرب عن قلقه من الحكومات القادمة فى ظل نتائج الانتخابات البرلمانية، قائلا «إحنا خايفين من أى حكومة جديدة ومن البرلمان الحالى، فكل الإشارات تدل على أن الجميع عايز يركب وخلاص من أجل الكرسى فقط دون الاعتبار لمشاكل الناس، والدليل على كلامى انه لا أحد حاول التواصل معنا حتى اليوم، وفوز الإسلامين جاء فقط لأن الأهالى تعاطفوا معهم لأنهم كانوا أكثر الفئات المضطهدة فى النظام السابق ولكن إلى الآن معظم المشاكل التى تواجهنا نضطر لحلها بأنفسنا سواء باللجوء لكبار الشيوخ وأحيانا بأيدينا»، ويكمل حديثه متوعدا بشىء من الغضب «لكن على الجميع أن يدرك أن بدو سيناء جزء من أرض مصر، والبدوى مواطن مصرى له حقوق كأى رجل مصرى عادى ونحن لن نسمح بتكرار معاملة النظام القديم مرة أخرى فلو تكررت نفس معاملة النظام القديم فلا يلوم النظام الجديد إلا نفسه فيكفى ما عشناه مع الحكومات السابقة، والحكومة حتى اليوم تعتبر سيناء آخر أولوياتها».
سليم الترابين ابن أخ الشيخ جمال يلتقط طرف الحديث، قائلا: «قلقنا ليس بسبب الخوف من تطبيق توجهات سياسية أو فكرية جديدة ولكن الخوف من استمرار سياسة التجاهل والتهميش لمطالب بدو سيناء، الأمر الذى لمسنا مؤشراته بعد انتهاء مرحلة الانتخابات، فالإسلاميون أو غيرهم لم يهتموا بحل مشاكل البدو من الجذور كل ما يشغل بالهم، هو الانتخابات والتقاط الصور مع الأهالى فى دوائرهم».
يضيف الشيخ سليم: «نحن البدو نقوم بحل مشاكلنا بأيدنا إما باللجوء لشيوخ القبائل أو بالاعتصام وقطع الطريق لإثبات حقنا، وهى فى الغالب الطريقة التى تأتى بثمارها حتى لو فى النهاية أصبحنا نحن المذنبون. وكثيرا حاولنا اللجوء للمحافظ أو رئيس الحى ولكن دائما يأتى الرد إما بالتأجيل والادعاء بانتظار الرد من مجلس الوزراء أو التجاهل بشكل مباشر».
رغم اكتساح الإسلاميين انتخابات مجلس الشعب على مدى المراحل الثلاث فى محافظات مصر إلا أن بدو الجنوب أكدوا بلا استثناء أنهم لا يعلمون عنهم شيئا لا قبل الانتخابات أو بعدها ولا حتى بعد دخولهم البرلمان، مفسرين سبب فوزهم بالمقاعد فى جنوب سيناء بأنهم اعتمدوا على مدى الشعبية التى حققوها بفوزهم فى المرحلتين الأولى والثانية، وبالتالى حظوا ثقة البدو ولو بشكل مبدئى، فضلا على رغبة أهل سيناء فى المشاركة الانتخابية كباقى شعب مصر.
عيد سالم شاب من قبيلة الأحيوات وصف وضعهم السياسى بعد الثورة بقوله: «الحكومة تعتبر بدو الجنوب فى آخر العالم الثالث وتركونا للإسلاميين بعد فوزهم»، وعن مدى قرب الإسلاميين من بدو الجنوب، قال عيد: «تقريبا لا نعلم عن المرشحين الفائزين أى شىء سواء من الجماعات الإسلامية أو من الإخوان المسلمين، حتى مشاكلنا نعمل على حلها بأنفسنا فهم لم يهتموا بالتواصل معنا، ونحن أيضا لم نهتم، والسبب الوحيد لاختيارنا لهم أنهم يعرفون ربنا وسيتقون الله فينا، وكان لابد لنا من المشاركة الانتخابية فنحن لسنا أقل من شباب التحرير، ونأمل فى الإسلاميين خيراً.
عدم تواصل نواب مجلس الشعب مع أهالى المنطقة بعد افتتاح الدورة البرلمانية، أمر يؤكده الشيخ مسعود محمود من قبيلة العبيدات، قائلا: «الأيدلوجيات السياسية ليس لها تأثير علينا، ولكننا نعانى من ظاهرة غريبة، فالمرشحون لم يحاولوا التواصل معنا أو التحدث عن مشاكلنا مع الدولة وتركونا بعد فوزهم بالمناصب لنذوق نفس المرارة مرة أخرى».
ملف التعامل الأمنى مع قبائل البدو هو أيضا لم يغلق بشكل نهائى، وكما يقول محمود عبدالحليم - ناشط سياسى - قائلا: «نويبع ينقصها أشياء بسيطة تصبح مثل مدينة العريش، إلا أن استمرار معاملة أهلها بطريقة أمنية ترتفع درجاته يوم بعد الآخر، فالى اليوم لو لم يقدم البدوى فروض الولاء والطاعة للنظام يتعرض بشكل أو بآخر لمضايقات من الأمن بحجة السيطرة الأمنية».
يضيف عبدالحليم: «بدو سيناء أنفسهم لا ينكرون عملهم فى بعض الأعمال غير الشرعية، لكنها ليست بهدف الأجرام بل بهدف العيش لأن البدوى بطبيعته رجل متعايش يتعامل فى كل الظروف، ولكن ما يحدث هو العكس، والجهات الأمنية تتعامل معهم على أنهم فئات إجرامية دون النظر للوجه الآخر من الأزمة، والمتمثل فى افتقارهم للخدمات الآدمية المتوافرة فى كل المجتمعات الأخرى.
ويتوقع عبدالحليم ردود فعل عنيفة إذا لم يغلق النظام الملف الأمنى لبدو سيناء فى أسرع وقت، مضيفا: فلو استمر هذا الوضع سوف تتحول نويبع لعريش جديدة تعانى من سيطرة جماعات من التكفير والهجرة وسطوة ساكنى الجبال الهاربين من الأحكام، فضلا على صعوبة السيطرة الأمنية عليها بعد الثورة».
ميناء نويبع.. نشاط فى الحج والعمرة وتوقف طوال العام.. ومطالب بتشغيله لمواجهة البطالة
طابا.. مدينة خرجت من الاحتلال لتقع فى قبضة الإهمال.. شيخ قبيلة الأحيوات: نظام مبارك ارتكب جريمة فى حقنا وتجاهل حقنا فى الحياة بكرامة
نويبع كانت أولى محطاتنا فى جنوب سيناء، فهى المنطقة المقابلة لميناء العقبة الأردنى، كانت تعرف قديما بـ«قلعة نويبع أو طابية نويبع» نسبة للقلعة التى بنيت بها فى نهاية القرن الماضى، فهى من المناطق التى اشتهرت بالازدهار السياحى والزراعى فضلا عن تمتع أرضها بالعديد من آبار المياه، إضافة إلى مياه السيول والعيون القريبة.. من الوهلة الأولى يصدمك المشهد ليس من جمال المناظر الطبيعية فقط ولكن لعدم استغلال المساحات الواسعة من تلك الأراضى اقتصاديا وسياحيا، حتى المستغل منها فى هيئة بعض المشاريع السياحية فى حالة من الركود والتصحر السياحى.
سعيد سلامة سالم - أحد أفراد قبيلة الترابين فى نويبع- أكد أن شبح البطالة لا يزال مسيطرا على شباب بدو الجنوب مما يدفع بعضهم إلى اللجوء إلى العمل فى السياحة كحراس للفنادق بمقابل مالى محدود، وأحيانا أخرى يلجأون لأشكال من التجارة غير المشروعة كتجارة الحدود نظرا لركود العمل بالسياحة التى تعتبر مصدر الرزق الأكبر لهم، قائلا «العمل ثم العمل ثم العمل أكثر ما نحتاج إليه الآن فى جنوب سيناء، فالنظام السابق كان يعاملنا أسوأ معاملة وكان يرفض توظيفنا فى أى وظيفة حكومية دون سبب ويتعمد تهميشنا لمصلحة الأمن الإسرائيلى».
أزمة ميناء نويبع تتمثل بشكل كبير فى أن نشاطه يقتصر على موسم الحج والعمرة فقط، فهو يقع فى مدخل البحر الأحمر قرب جزيرة تيران لذا فهو أقرب ميناء مصرى للسعودية، ولكن نظرا لمساحة رصيف الميناء الصغيرة فهو غير مجهز لاستقبال سفن نقل البضائع رغم صلته بميناء العقبة الأردنى، ورغم محاولات البدو لتقديم اقتراحات عديدة للمحافظة بتطوير الميناء وجعله سوقا حرة إلا أن الرد دائما كان يأتى بالتجاهل، حسبما يقول سعيد سلامة، مضيفا «ياريت يحولوه لسوق حرة على الأقل توفر فرص عمل للعديد من الشباب.. لأن الجوع كافر». وضع البدو لم يتغير كثيرا بعد الثورة حسبما يرى سلامة، ويضيف «وعود الحكومة كلام فاضى وقبل الثورة لم يكن يسمح لنا بتملك قطعة أرض لبناء منزل، والحل هو أن نلجأ لدفع مبالغ مالية كبيرة للموظفين، لأنها الوسيلة الوحيدة لتمكيننا من أراضينا، وكنا نتعرض لعمليات إزالة منازل أنفقنا عليها كل ما نملك، لدرجة دفعت معظم البدو لان يتخذوا من الجبال بيوتا لهم بدلا من تعريض أطفالهم ونسائهم للمبيت فى الشارع، فمنازل الصفيح أو القش لن تستقر كثيرا أمام حرارة الصيف أو برد الشتاء».
اضطر البدو للتحرك خطوة للأمام بفعل الثورة وقرروا وضع اليد على الأراضى فى المدينة ومحيطها، ويبرر سلامة ذلك بقوله «حتى اليوم الحكومة ترفض تمليك تراخيص الأراضى لنا فأين نذهب بأبنائنا ونسائنا ولسنا جميعا نقوى على العيش فى الجبال، نحن انتظرنا طويلا لتطبيق قرار رئيس الوزراء السابق عصام شرف لوعده بتمليك الأراضى أو حتى توزيع مساكن الشباب التى سبق أن وعدونا بتمليكها ومنح كل بدوى شقة، ماذا ينتظر منا النظام ؟ لا أراضى توزعت علينا ولا مدارس شيدت أو حتى مستشفى يعالجنا».
المحطة الثانية كانت فى مدينة طابا آخر النقاط العمرانية المصرية على خليج العقبة، فهى تقع بين سلسلة جبال وهضاب وبين مياه الخليج، وتبعد عن مدينة شرم الشيخ حوالى 240 كم، تمثل المنطقة الواقعة بين طابا شمالا وشرم الشيخ جنوبا أهم مناطق الجذب والتنمية السياحية بجنوب سيناء، إلا أن حال بدو طابا لا يختلف كثيرا عن بدو المناطق الأخرى بالجنوب، بل يمكن اعتباره أسوأ منها، فالتهميش والتجاهل طال تلك المدينة دون أى تفرقة بينها وبين غيرها من مدن الجنوب فهى معدمة الخدمات العامة، والأهالى يعانون من انهيار للبنية التحتية فى المجتمع السيناوى والحديث عن الصرف الصحى أو الكهرباء أو الخدمات الطبية رفاهية لأهالى المنطقة، ونفس الأمر بالنسبة لوسائل المواصلات أو حتى المدارس.
الشيخ سلامة سمح- شيخ قبيلة الأحيوات - يؤكد أن طابا منذ خروج الاحتلال الصهيونى منها وهى كما هى لم تحصل على دعم الحكومة سواء قبل أو بعد الثورة، ودائما يأتى رد المسؤولين «كله تحت الدراسة»، ويضيف «النظام السابق ارتكب جريمة فى حقنا بكل المقاييس، وتجاهل أبسط حقوقنا فى الحياة بكرامة.. البنية التحتية فى جنوب سيناء متآكلة تماما فلا مستشفيات ولا وسائل مواصلات ولا وظائف، لدرجة أن معظم الأهالى موقعون على أوراق تعطى للحكومة الحق فى طردهم من منازلهم فى أى وقت، والبدوى فى النهاية مضطر للرضوخ.. ونحن بالجنوب لا نملك غازا ولا كهرباء فى الوقت الذى تصدره الدولة لإسرائيل، وإذا حاولنا التشاور مع النظام أو قدمنا اقتراحات باستغلال الاقتصاد نعامل معاملة سيئة، فنحن نعيش هنا بشكل مؤقت.. ومنذ 15 عاما حدثت عمليات تهجير كثيرة من أراضينا ومنازلنا، وهو نفس التوقيت تقريبا الذى أهمل فيه التعليم فى منطقتنا لدرجة رفعت نسبة الأمية فى طابا بدرجة كبيرة جدا».
سبل كسب الرزق هى التحدى الأكبر لبدو جنوب سيناء الآن، حسبما يرى الشيخ سلامة، خاصة فى ظل حالة الركود الاقتصادى وانحسار حالة الرواج السياحى وبعد تجاهل الحكومة للاستثمار الزراعى، مضيفا «تحولنا من أصحاب أراض الى مشردين متهمين بالبلطجة، يلجأ معظم البدو للتجارة غير مشروعة لا بهدف الإرهاب أو الجريمة ولكن كنوع من التعايش من أجل لقمة العيش، حتى الإعلام تعمد النظام السابق إقصاءه حتى يستر عورات سيناء بإخفاء مشاكلنا عن الرأى العام فكنا لانراهم إلا فى الأعياد والمناسبات القومية».
«وادى الورد» لا يحمل من اسمه شيئاً.. فالبيوت تطل على قمامة فندق طابا.. والسكان:إنه الهلاك بعينه»
الهجرة إلى القاهرة أو الشمال أو قطع الطريق من القلة والتجارة على الحدود.. حلول لكسب الرزق
فى أرض سيناء للعشوائيات أيضا مكان بارز، فبناء منازل عشوائية لا يحتاج إلا القليل من الإهمال والكثير من اللامبالاة وبعض الوعود المزيفة حتى تكتمل المبررات التى تدفع المواطنين إلى العيش فى ظل القبح، وعلى بعد نصف ساعة تقريبا من معبر طابا الدولى تقع منطقة «وادى الورد»، الاسم يصدمك مع طبيعة الأرض، فرغم طبيعة طابا الجبلية الساحلية الساحرة، فإن أرضها قد تسع أيضا للعشوائيات.
الوضع فى منطقة «وادى الورد» كارثى ليس لانتشار المنازل الصفيح أو المبنية من قش رغم وجود مساكن من طوب خصصتها المحافظة للأهالى ولا لعدم وجود كهرباء أو صرف صحى أو حتى لعدم وجود عيادات صحية تمكن الأهالى من تطعيم أبنائهم أو حتى لانتشار البطالة فحسب، فهى كلها أمور اعتاد عليها أبناء سيناء ولكن ما تتعرض له قبيلة الأحيوات على وجه الخصوص قد يعرض أبناءها للإصابة بأمراض قاتله كالحساسية والصدر أو السرطان الرئوى.
ما يقرب من 40 منزلا من منازل المحافظة التى منحتها لأهالى الأحيوات تطل على مكبات الصرف الصحى والقمامة لفنادق طابا، ليس هذا فحسب بل إن معظم المنازل مشيدة على مخرات السيول، الأمر الذى وصفه أحد أبناء المنطقة لـ«اليوم السابع» أنه «الهلاك بعينه»، أما عن المنازل فحدث ولا حرج المنازل تقع على خط مستقيم توزيعها المتقارب لا يوفر الخصوصية التى يحرص عليها البدوى.
مساحة المنزل الواحد لا تتعدى الـ40 مترا، وهى مساحة قدرناها بعد حساب طول وعرض المنزل، مبنى من الطوب الأبيض ويتكون من غرفتين وصالة صغيرة، وهى المساحة الكاملة لأسرة واحدة مهما كان عددها. جدرانه توضح أنها حديثة الطلاء مما يعكس أن الأهالى أنفقوا على المنازل بعد الحصول عليها.
الشيخ عيد على كبير إحدى عائلات قبيلة الأحيوات تحدث عن التهميش المضاعف لسكان العشوائيات، قائلا: «لموقعنا على المنطقة حدودية فى «وادى الورد» نعانى من تهميش مضاعف سواء من النظام الماضى أو نظام ما بعد الثورة فنحن لسنا مستفيدين من خدمات نويبع أو حتى من خدمات الشمال، وكثير حاولنا الشكوى سواء للمحافظة أو لمجلس المدينة - ليعبر فى أسى - «هنروح نشتكى لمين لو رحت للمحافظ هيطردنى، كتير اشتكينا للمحافظة وللحى»، ولكن الرد دائما يأتى حاسم بحجة أن البيوت شيدت، وهذا أقصى ما فى جهدهم، ورئيس مجلس المدينة دائما ما يصور للمحافظ أن الحياة فى جنوب سيناء مستقرة والبدو بلا مشاكل»، ليكمل فى امتعاض «قبيلة الأحيوات تصدت لعصابات شمال سيناء التى حاولت الهجوم على فنادق الجنوب وقت الثورة مستغلة الانفلات الأمنى، ومع ذلك لا يوجد تقدير من الجهات الحكومية ويتعمدوا تهميشنا وإخراس أصواتنا».
على طول منطقة «وادى الورد» تلاحظ ساترا ترابيا طوله يقرب من 150 سم تقريبا قرب المنطقة السكنية بالسؤال عن هذا الساتر قال الشيخ: «الساتر الترابى بنى بعد الثورة بشكل متعمد من النظام لعزل منطقة البدو السكنية عن باقى المنطقة، ولجأنا كثيرا للشكوى وقطع الطرق للاحتجاج ولكن دون جدوى وأصبح مصير كثير من الشباب الهجرة إلى الشمال أو القاهرة هى الحل الأول لكسب الرزق، وبعض الحالات الفردية التى تلجأ كعمل غير شرعى كقطع الطريق أو التجارة على الحدود مع بعض الدول، ولكن هؤلاء يكونون حالات فردية لا تكون على نطاق واسع خاصة بعد انحصار السياحة بعد الثورة، والتى كنا نعتمد عليها فى المقام الأول، فهؤلاء يكونون وصلوا لمرحلة أخيرة من الاحتياج تضطرهم الظروف لاستخدام تلك الوسيلة بعد انسداد كل خيوط الأمل أمامهم وليس لغرض الإجرام، فعملهم يقتصر على تهريب الحشيش أو السجائر الى إسرائيل، فالدولة أهملتنا وأهملت مطالبنا، ونطالب المجالس المحلية بتشكيل لجان لمناقشة مشاكل بدو الجنوب قبل وصولنا لمرحلة الانفجار».
الخميس، 23 فبراير 2012 - 08:45
لم تكن الطبيعة الصحراوية التى يعيشون فيها، ولا ابتعادهم عن القاهرة، العاصمة المركزية وغيرها من المدن الكبرى السبب فى أن يظل بدو سيناء محرومين من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، ولكن السبب الأساسى كان تجاهل نظام مبارك للبدو وتعمده إبقاء الوضع فيها على حاله بعيدا عن جهود التنمية العمرانية والبشرية، يتساوى فى ذلك ربوعها الثلاثة «شمال ووسط وجنوب»، وهو بالفعل ما يلخصه أهل سيناء فى عبارة لا يملون من ترديدها «مبارك تعمد إهمالنا من أجل الحفاظ على الأمن الداخلى لإسرائيل»، وهى عبارة تحمل قدرا كبيرا من خطورة الاتهام ومرارة الظلم والحلم بالمستقبل، كما تعنى أن الاهتمام ببدو سيناء بعد ثورة 25 يناير لم يعد يحتمل الاختيار، لأنهم جزء من هذا الوطن.
فى جنوب سيناء التناقض يتضح فى كل شبر من مدنها «دهب - شرم الشيخ - نويبع - طابا»، وبين فخامة القرى السياحية وتجهيزها على أعلى مستوى، يفتقر البدو لأبسط حقوقهم فى الخدمات الاجتماعية والصحية اللازمة، فالخيام والمنازل من الصفيح منتشرة فى كل مكان والمحال التجارية ليست على المستوى المطلوب، فقد تجد محلا صغيرا أمامه حبل غسيل هو بالأحرى «دراى كلين»، والأعشاب وحبة البركة تحل محل تطعيمات الأطفال.. والظاهر للعيان بوضوح أن توفير فرص العمل والحياة الكريمة هى أهم احتياجات بدو جنوب سيناء بعد ثلاثين عاما من التجاهل والتهميش.
الأهالى يضعون الكفن جوار فراش المريض.. ومدير مستشفى نويبع يعترف: تطرف المكان وضعف المرتبات سبب هروب الأطباء وما «باليد حيلة»
مشهدان لا ثالث لهما يلخصان الوضع الطبى فى جنوب سيناء، مستشفيات درجة أولى تخدم قطاع الصفوة أو مستشفيات بلا أطباء ولا يرتادها المرضى، وفى النهاية الأغلبية المتوسطة والفقيرة هى من يدفع الثمن.. فى جنوب سيناء الأطفال لايتلقون التطعيمات اللازمة منذ الولادة ويكتفون بالاعتماد على الطبيعة والأعشاب الجبلية للعلاج، يقول أحد الأهالى «الحكومة تعتبر تطعيمات الأطفال نوعا من الرفاهية لا يصح أن يطلبها المجتمع السيناوى، ولكن الله يعلم أننا نخشى من انتشار الأوبئة وخصوصا الطاعون بسبب امتناعنا نحن وأطفالنا عن التطعيم».
عيسى الترابين رجل كاد يفقد ابنته الرضيعة بسبب الإهمال فى مستشفى نويبع المركزى، يقول الرجل مشيرا بيده تجاه الشمال «ابنتى الرضيعة فقدت النطق والحركة، جرينا بيها على مستشفى نويبع المركزى فى الفجر، لكننا لم نجد طبيبا واحدا بالمستشفى وبعد 15 دقيقة نصحنى التمرجى النبطشى بنقلها لمستشفى شرم الشيخ وهو يبعد عن نويبع ساعتين بعربة الإسعاف، وبعد 15 دقيقة من البحث عن سائق لعربة الإسعاف حتى عثرنا عليه رفض التحرك لمستشفى شرم الشيخ لاختلافه مع التباع وتركونى أنا وابنتى دون معين»، المشهد السابق أكده الشيخ سلامة، موضحا أن بدو الجنوب يختصرون الطريق ويلجأون لمستشفى شرم الشيخ أو السفر إلى القاهرة أو حتى فى أسوأ الحالات إلى مستشفى العريش لطلب العلاج.
الحديث عن الإهمال الطبى فى مستشفى نويبع المركزى واضطرار الأهالى لقطع مئات الكيلومترات لإنقاذ طفل أو كهل فى نزعه الأخير بدلا من عدم اللجوء إليه وتركه ليواجه «رب كريم» كان لابد من التحقق منه.. ذهبنا إلى منطقة البلد فى نويبع حيث يوجد مستشفى نويبع المركزى على بعد 10 دقائق من الميناء، ببساطة يمكن وصف المستشفى بأنه «بلا أطباء ولا مرضى»، فرغم فخامة البناء وتوافر معظم الأقسام الطبية الضرورية لأى بناء طبى غرضه الأول إنقاذ المرضى فى وقت قياسى كأقسام الـباطنة، والعظام، الأشعة، الجراحة والعناية المركزة وغيرها، إلا أنه خال تماما من الأطباء، ليس سوى عدد قليل من «التمرجية» وعمال الإسعاف، لذا يعتبره أهل سيناء فى أجازة دائمة.
بمواجهة نائب مدير المستشفى الدكتور محمود أحمد السيد، استشارى الجراحة العامة، بشكاوى الأهالى من ضعف إمكانيات المستشفى رغم تجهيز البناء على أعلى مستوى، أكد السيد صحة الشكاوى معترفا بوجود تقصير فى توفير العدد الكافى من الأطباء بالمحافظة كلها بحجة ضعف المرتبات وتطرف المنطقة، قائلا «شكاوى الأهالى حقيقة ولكن ما باليد حيلة - على حد تعبيره، فرغم تجهيز المستشفى على أعلى مستوى وضمه جميع التخصصات، كما أن وزير الصحة السابق حاتم الجبلى أصدر قرارا بترميم المستشفى عام 2009 بـ4 ملايين جنيه إلا أن الأطباء يرفضون الانتداب لجنوب سيناء، بحجة بعد المسافات وانخفاض المرتبات».
يضيف السيد «مرارا وتكرارا حاولنا إرسال شكاوى لوزارة الصحة ولكن دائما تأتى الإجابة غير شافية، والإدارة الطبية نرسل لها شهريا إحصائيات توضح نقصا فى عدد المرضى مما يعكس قصورا فى عدد الأطباء ولكن لا نحصل على رد كاف، فالطبيب يتظلم للوزارة بحجة انخفاض الأجور رغم أن مرتبهم فى الانتداب يرتفع إلى %700، وأغلبهم يستغلون علاقاتهم لوقف الانتداب، ولكن فى الوقت نفسه لا أستطيع إغلاق المستشفى لعدم توفير أطباء فذلك فى النهاية مسؤولية وقرار تابع لوزارة الصحة».
الوضع لم يختلف كثيرا فى طابا، فصعوبة الخدمات الطبية فى طابا وعدم وجود عربة إسعاف اللهم المستشفيات الاستثمارية التابعة للقرى السياحية، تضطر الكثير من الأهالى فى كثير من الأحيان لتوفير الكفن بجوار فراش المريض والتسليم دائما بفكرة الموت.
يقول الشيخ سلامة عطية «أقرب مستشفى فى طابا يوجد على بعد 9 كيلو من التجمع البدوى وهو أفقر حالا من حال مستشفى نويبع المركزى فهو مستشفى غير مجهز وغالبا ماتحول الحالات منه إلى مستشفى شرم الشيخ أو إلى القاهرة مباشرة، فطبيعة طابا الساحلية وقربها الشديد من حدود ثلاث دول يفرض عليها التهيئة فى وضع معين، فمثلا لايمكن أن نجد عيادة رخيصة لأهالى البلد ولكن أغلب العيادات تابعة للقرى السياحية والفنادق وبالتالى فهى تفوق طاقة الأهالى أغلب البدو تحت خط الفقر لا يستطيعون تحمل نفقات العيادات الخاصة».
«الأمية» تفرض سطوتها من نويبع إلى طابا.. و شيوخ الجنوب: الاحتلال الإسرائيلى بنى لنا مدرسة ومبارك أغلقها
الأهالى يبيعون ممتلكاتهم لتعليم أبنائهم فى القاهرة والعريش.. ونسبة الأمية تزيد على 80%
نسبة الأمية تزيد على %80 بين أهالى جنوب سيناء لعدم وجود مدارس أو حتى أماكن لتحفظ الأطفال القرآن وتعلم المبادئ الدينية، وعلى طالبى العلم اللجوء لـ«القاهرة أو العريش»، وهو ما يضطر أن يفعله معظم الأهالى ممن يؤمنون بأهمية تعليم أبنائهم، حسب قول الشيخ جمال عيسى، لبيع ما تيسر لهم بيعه من ممتلكاتهم لتوفير نفقات تعليم أبنائهم ولو حتى لمرحلة يسيرة، مضيفا «أهالى القبيلة يجتهدون فى توفير الرزق، ويتغربون فى أماكن بعيدة، لتوفير الأموال اللازمة ليس لإطعام صغارنا فقط ولكن لتوفير حقهم علينا فى التعليم سواء كانوا صبية أو فتيات»، ويواصل: «نويبع لا يوجد بها فصل دراسى واحد، معظم الفتيات فى الجنوب نظرا لصعوبة حال أهاليهم المادية لا يتلقين التعليم أو يحصلن على قدر يسير منه يمكنهن من قراءة القرآن لأن التركيز يكون بشكل أكبر على الشباب».
فى طابا الوضع لا يختلف كثيرا فمعظم الأهالى بعد يأسهم من توفير الحكومة وسائل تعليمية تليق بوضع المجتمع السيناوى يضطرون لإرسال أبنائهم للعريش أو القاهرة لتحصيل العلم، الشيخ سلامة عطية قبيلة الأحيوات، قال لنا فى امتعاض إن النظام لم يحاول إنشاء مدارس أو حتى كتاتيب بعد إغلاقه المدرسة الوحيدة التى شيدها الاحتلال الصهيونى منذ ثلاثين عاما وأصبح الحل الوحيد يقتصر على اعتماد الأهالى ذاتيا لتوفير التعليم لأبنائهم.
يقول الشيخ «بعد انقطاع آخر أمل لنا مع النظام السابق وفشل كل محاولتنا لتوفير التعليم لأطفالنا أنشأنا فصلا صغيرا به مقاعد يسيرة لتوفير التعليم لأطفال الجنوب، فى طريق المرايخ. فى البداية كنا نعتمد على بعض شباب البلد ممن تلقوا تعليمهم للتدريس للأطفال، ولكن لظروف الحياة القاسية ورغبتهم فى الرزق اضطررنا للتعاقد مع أساتذة من المدن بحيث يقدمون المواد التعليمية 5 أيام فى الأسبوع للأطفال».
على سليم، شاب من الأحيوات، قادنا لتلك المدرسة الصغيرة لمشاهدة محراب العلم لأطفال جنوب سيناء.. المدرسة الصغيرة تقع قبل مدخل طابا بحوالى 2 كيلو فى طريق المرايخ كما ذكرنا.. البناء أكثر من متواضع فهو عبارة عن حجرة صغيرة قديمة الملامح جدرانها البيضاء شبه متآكلة لا يوجد بها أى وسائل تهوية ولا حتى شباك صغير، سقفها خال من أى وسيلة للإنارة، وعلى السطح يوجد علم مصر صغير يقاوم السقوط يبدو من هيئته أنه فى مكانه من عشرات السنين، الحجرة من الداخل أسوأ حالا، مكونة من 7 مقاعد محطمة تسيطر عليها رائحة العفن نتيجة تجاورها مع الحمام «بيت الراحة»، وبالسؤال عن المعلمين أكد لنا سليم أن أسابيع قد تمر دون أن يشهد الفصل معلما واحدا ويضيف: «المدرسون تقريبا هجروا التدريس فى الفصل، فالفصل بلا كهرباء ولا مياه نظيفة وعندما نشتكى للشيوخ لا نجد ردا سوى ما باليد حيلة».
الشيخ عيد على، من قبيلة الأحيوات، رجل مؤمن بحق الفتيات فى تلقى التعليم، لذا يرسل ابنته الصغيرة التى لم تكمل الـ12 عاما لتلقى التعليم كل فصل دراسى فى العريش ولكن فى حماية أخيها، مضيفا «كله إلا التعليم حتى لو تجاهل النظام حقنا به أو استخف به، نحن لا يمكن أن نستسلم، رغم صعوبة إمكانات المعيشة ولكن دائما أسعى لتوفير مبلغ من المال كل عام يكفى لتعليم الفتاة والصبى كل فصل دراسى بالعريش يكفى لمصاريف التعليم والإقامة فى شقة بسيطة.. وربنا كريم». زوجة الشيخ عيد، سيدة فى الثلاثين من عمرها التقينا بها فى منزلها المشيد من الحديد وصوف الماعز، وصفت لنا حالتها القلقة على أطفالها التى لم تتغير حتى الآن مع ذهابهم كل موسم دراسى لتلقى التعليم قائلة «الوضع فى الجنوب لا يساعد على الحياة وأتمنى أن تزور المنطقة زوجة أى مسؤول بالحكومة فهى أم مثلى ولابد أن تشعر بما أعانيه من مشاعر عندما أفارق أطفالى ليتعلموا بعيدا عنى ولا أعيش معهم سوى أربعة شهور فى السنة».
قبائل الجنوب تحذر: «لن نسمح بتكرار معاملة النظام السابق»
الشيخ جمال عيسى: إحنا خايفين من البرلمان وأى حكومة جديدة.. لأن الكُل عايز يركب الكرسى وخلاص
مفردات المشهد السياسى فى جنوب سيناء لم تختلف كثيرا عن فترة ما قبل الثورة فى جميع مدن الجنوب سواء فى دهب أو طابا أو نويبع، فأزمة الثقة بين رجل الشارع والحكومة لا تزال حبالها ممتدة، ومعظم قبائل البدو لم تكن على صلة وثيقة بالقوى السياسية التى اكتسحت مشهد الصدارة فى الانتخابات سواء من الإسلاميين الذين حصلوا على الأغلبية فى نتائج انتخابات المراحل الثلاث أو حتى باقى القوى السياسية ذات الأيديولوجيات المختلفة لدرجة إصابتهم بالقلق.
الشيخ جمال عيسى من قبيلة الترابين أعرب عن قلقه من الحكومات القادمة فى ظل نتائج الانتخابات البرلمانية، قائلا «إحنا خايفين من أى حكومة جديدة ومن البرلمان الحالى، فكل الإشارات تدل على أن الجميع عايز يركب وخلاص من أجل الكرسى فقط دون الاعتبار لمشاكل الناس، والدليل على كلامى انه لا أحد حاول التواصل معنا حتى اليوم، وفوز الإسلامين جاء فقط لأن الأهالى تعاطفوا معهم لأنهم كانوا أكثر الفئات المضطهدة فى النظام السابق ولكن إلى الآن معظم المشاكل التى تواجهنا نضطر لحلها بأنفسنا سواء باللجوء لكبار الشيوخ وأحيانا بأيدينا»، ويكمل حديثه متوعدا بشىء من الغضب «لكن على الجميع أن يدرك أن بدو سيناء جزء من أرض مصر، والبدوى مواطن مصرى له حقوق كأى رجل مصرى عادى ونحن لن نسمح بتكرار معاملة النظام القديم مرة أخرى فلو تكررت نفس معاملة النظام القديم فلا يلوم النظام الجديد إلا نفسه فيكفى ما عشناه مع الحكومات السابقة، والحكومة حتى اليوم تعتبر سيناء آخر أولوياتها».
سليم الترابين ابن أخ الشيخ جمال يلتقط طرف الحديث، قائلا: «قلقنا ليس بسبب الخوف من تطبيق توجهات سياسية أو فكرية جديدة ولكن الخوف من استمرار سياسة التجاهل والتهميش لمطالب بدو سيناء، الأمر الذى لمسنا مؤشراته بعد انتهاء مرحلة الانتخابات، فالإسلاميون أو غيرهم لم يهتموا بحل مشاكل البدو من الجذور كل ما يشغل بالهم، هو الانتخابات والتقاط الصور مع الأهالى فى دوائرهم».
يضيف الشيخ سليم: «نحن البدو نقوم بحل مشاكلنا بأيدنا إما باللجوء لشيوخ القبائل أو بالاعتصام وقطع الطريق لإثبات حقنا، وهى فى الغالب الطريقة التى تأتى بثمارها حتى لو فى النهاية أصبحنا نحن المذنبون. وكثيرا حاولنا اللجوء للمحافظ أو رئيس الحى ولكن دائما يأتى الرد إما بالتأجيل والادعاء بانتظار الرد من مجلس الوزراء أو التجاهل بشكل مباشر».
رغم اكتساح الإسلاميين انتخابات مجلس الشعب على مدى المراحل الثلاث فى محافظات مصر إلا أن بدو الجنوب أكدوا بلا استثناء أنهم لا يعلمون عنهم شيئا لا قبل الانتخابات أو بعدها ولا حتى بعد دخولهم البرلمان، مفسرين سبب فوزهم بالمقاعد فى جنوب سيناء بأنهم اعتمدوا على مدى الشعبية التى حققوها بفوزهم فى المرحلتين الأولى والثانية، وبالتالى حظوا ثقة البدو ولو بشكل مبدئى، فضلا على رغبة أهل سيناء فى المشاركة الانتخابية كباقى شعب مصر.
عيد سالم شاب من قبيلة الأحيوات وصف وضعهم السياسى بعد الثورة بقوله: «الحكومة تعتبر بدو الجنوب فى آخر العالم الثالث وتركونا للإسلاميين بعد فوزهم»، وعن مدى قرب الإسلاميين من بدو الجنوب، قال عيد: «تقريبا لا نعلم عن المرشحين الفائزين أى شىء سواء من الجماعات الإسلامية أو من الإخوان المسلمين، حتى مشاكلنا نعمل على حلها بأنفسنا فهم لم يهتموا بالتواصل معنا، ونحن أيضا لم نهتم، والسبب الوحيد لاختيارنا لهم أنهم يعرفون ربنا وسيتقون الله فينا، وكان لابد لنا من المشاركة الانتخابية فنحن لسنا أقل من شباب التحرير، ونأمل فى الإسلاميين خيراً.
عدم تواصل نواب مجلس الشعب مع أهالى المنطقة بعد افتتاح الدورة البرلمانية، أمر يؤكده الشيخ مسعود محمود من قبيلة العبيدات، قائلا: «الأيدلوجيات السياسية ليس لها تأثير علينا، ولكننا نعانى من ظاهرة غريبة، فالمرشحون لم يحاولوا التواصل معنا أو التحدث عن مشاكلنا مع الدولة وتركونا بعد فوزهم بالمناصب لنذوق نفس المرارة مرة أخرى».
ملف التعامل الأمنى مع قبائل البدو هو أيضا لم يغلق بشكل نهائى، وكما يقول محمود عبدالحليم - ناشط سياسى - قائلا: «نويبع ينقصها أشياء بسيطة تصبح مثل مدينة العريش، إلا أن استمرار معاملة أهلها بطريقة أمنية ترتفع درجاته يوم بعد الآخر، فالى اليوم لو لم يقدم البدوى فروض الولاء والطاعة للنظام يتعرض بشكل أو بآخر لمضايقات من الأمن بحجة السيطرة الأمنية».
يضيف عبدالحليم: «بدو سيناء أنفسهم لا ينكرون عملهم فى بعض الأعمال غير الشرعية، لكنها ليست بهدف الأجرام بل بهدف العيش لأن البدوى بطبيعته رجل متعايش يتعامل فى كل الظروف، ولكن ما يحدث هو العكس، والجهات الأمنية تتعامل معهم على أنهم فئات إجرامية دون النظر للوجه الآخر من الأزمة، والمتمثل فى افتقارهم للخدمات الآدمية المتوافرة فى كل المجتمعات الأخرى.
ويتوقع عبدالحليم ردود فعل عنيفة إذا لم يغلق النظام الملف الأمنى لبدو سيناء فى أسرع وقت، مضيفا: فلو استمر هذا الوضع سوف تتحول نويبع لعريش جديدة تعانى من سيطرة جماعات من التكفير والهجرة وسطوة ساكنى الجبال الهاربين من الأحكام، فضلا على صعوبة السيطرة الأمنية عليها بعد الثورة».
ميناء نويبع.. نشاط فى الحج والعمرة وتوقف طوال العام.. ومطالب بتشغيله لمواجهة البطالة
طابا.. مدينة خرجت من الاحتلال لتقع فى قبضة الإهمال.. شيخ قبيلة الأحيوات: نظام مبارك ارتكب جريمة فى حقنا وتجاهل حقنا فى الحياة بكرامة
نويبع كانت أولى محطاتنا فى جنوب سيناء، فهى المنطقة المقابلة لميناء العقبة الأردنى، كانت تعرف قديما بـ«قلعة نويبع أو طابية نويبع» نسبة للقلعة التى بنيت بها فى نهاية القرن الماضى، فهى من المناطق التى اشتهرت بالازدهار السياحى والزراعى فضلا عن تمتع أرضها بالعديد من آبار المياه، إضافة إلى مياه السيول والعيون القريبة.. من الوهلة الأولى يصدمك المشهد ليس من جمال المناظر الطبيعية فقط ولكن لعدم استغلال المساحات الواسعة من تلك الأراضى اقتصاديا وسياحيا، حتى المستغل منها فى هيئة بعض المشاريع السياحية فى حالة من الركود والتصحر السياحى.
سعيد سلامة سالم - أحد أفراد قبيلة الترابين فى نويبع- أكد أن شبح البطالة لا يزال مسيطرا على شباب بدو الجنوب مما يدفع بعضهم إلى اللجوء إلى العمل فى السياحة كحراس للفنادق بمقابل مالى محدود، وأحيانا أخرى يلجأون لأشكال من التجارة غير المشروعة كتجارة الحدود نظرا لركود العمل بالسياحة التى تعتبر مصدر الرزق الأكبر لهم، قائلا «العمل ثم العمل ثم العمل أكثر ما نحتاج إليه الآن فى جنوب سيناء، فالنظام السابق كان يعاملنا أسوأ معاملة وكان يرفض توظيفنا فى أى وظيفة حكومية دون سبب ويتعمد تهميشنا لمصلحة الأمن الإسرائيلى».
أزمة ميناء نويبع تتمثل بشكل كبير فى أن نشاطه يقتصر على موسم الحج والعمرة فقط، فهو يقع فى مدخل البحر الأحمر قرب جزيرة تيران لذا فهو أقرب ميناء مصرى للسعودية، ولكن نظرا لمساحة رصيف الميناء الصغيرة فهو غير مجهز لاستقبال سفن نقل البضائع رغم صلته بميناء العقبة الأردنى، ورغم محاولات البدو لتقديم اقتراحات عديدة للمحافظة بتطوير الميناء وجعله سوقا حرة إلا أن الرد دائما كان يأتى بالتجاهل، حسبما يقول سعيد سلامة، مضيفا «ياريت يحولوه لسوق حرة على الأقل توفر فرص عمل للعديد من الشباب.. لأن الجوع كافر». وضع البدو لم يتغير كثيرا بعد الثورة حسبما يرى سلامة، ويضيف «وعود الحكومة كلام فاضى وقبل الثورة لم يكن يسمح لنا بتملك قطعة أرض لبناء منزل، والحل هو أن نلجأ لدفع مبالغ مالية كبيرة للموظفين، لأنها الوسيلة الوحيدة لتمكيننا من أراضينا، وكنا نتعرض لعمليات إزالة منازل أنفقنا عليها كل ما نملك، لدرجة دفعت معظم البدو لان يتخذوا من الجبال بيوتا لهم بدلا من تعريض أطفالهم ونسائهم للمبيت فى الشارع، فمنازل الصفيح أو القش لن تستقر كثيرا أمام حرارة الصيف أو برد الشتاء».
اضطر البدو للتحرك خطوة للأمام بفعل الثورة وقرروا وضع اليد على الأراضى فى المدينة ومحيطها، ويبرر سلامة ذلك بقوله «حتى اليوم الحكومة ترفض تمليك تراخيص الأراضى لنا فأين نذهب بأبنائنا ونسائنا ولسنا جميعا نقوى على العيش فى الجبال، نحن انتظرنا طويلا لتطبيق قرار رئيس الوزراء السابق عصام شرف لوعده بتمليك الأراضى أو حتى توزيع مساكن الشباب التى سبق أن وعدونا بتمليكها ومنح كل بدوى شقة، ماذا ينتظر منا النظام ؟ لا أراضى توزعت علينا ولا مدارس شيدت أو حتى مستشفى يعالجنا».
المحطة الثانية كانت فى مدينة طابا آخر النقاط العمرانية المصرية على خليج العقبة، فهى تقع بين سلسلة جبال وهضاب وبين مياه الخليج، وتبعد عن مدينة شرم الشيخ حوالى 240 كم، تمثل المنطقة الواقعة بين طابا شمالا وشرم الشيخ جنوبا أهم مناطق الجذب والتنمية السياحية بجنوب سيناء، إلا أن حال بدو طابا لا يختلف كثيرا عن بدو المناطق الأخرى بالجنوب، بل يمكن اعتباره أسوأ منها، فالتهميش والتجاهل طال تلك المدينة دون أى تفرقة بينها وبين غيرها من مدن الجنوب فهى معدمة الخدمات العامة، والأهالى يعانون من انهيار للبنية التحتية فى المجتمع السيناوى والحديث عن الصرف الصحى أو الكهرباء أو الخدمات الطبية رفاهية لأهالى المنطقة، ونفس الأمر بالنسبة لوسائل المواصلات أو حتى المدارس.
الشيخ سلامة سمح- شيخ قبيلة الأحيوات - يؤكد أن طابا منذ خروج الاحتلال الصهيونى منها وهى كما هى لم تحصل على دعم الحكومة سواء قبل أو بعد الثورة، ودائما يأتى رد المسؤولين «كله تحت الدراسة»، ويضيف «النظام السابق ارتكب جريمة فى حقنا بكل المقاييس، وتجاهل أبسط حقوقنا فى الحياة بكرامة.. البنية التحتية فى جنوب سيناء متآكلة تماما فلا مستشفيات ولا وسائل مواصلات ولا وظائف، لدرجة أن معظم الأهالى موقعون على أوراق تعطى للحكومة الحق فى طردهم من منازلهم فى أى وقت، والبدوى فى النهاية مضطر للرضوخ.. ونحن بالجنوب لا نملك غازا ولا كهرباء فى الوقت الذى تصدره الدولة لإسرائيل، وإذا حاولنا التشاور مع النظام أو قدمنا اقتراحات باستغلال الاقتصاد نعامل معاملة سيئة، فنحن نعيش هنا بشكل مؤقت.. ومنذ 15 عاما حدثت عمليات تهجير كثيرة من أراضينا ومنازلنا، وهو نفس التوقيت تقريبا الذى أهمل فيه التعليم فى منطقتنا لدرجة رفعت نسبة الأمية فى طابا بدرجة كبيرة جدا».
سبل كسب الرزق هى التحدى الأكبر لبدو جنوب سيناء الآن، حسبما يرى الشيخ سلامة، خاصة فى ظل حالة الركود الاقتصادى وانحسار حالة الرواج السياحى وبعد تجاهل الحكومة للاستثمار الزراعى، مضيفا «تحولنا من أصحاب أراض الى مشردين متهمين بالبلطجة، يلجأ معظم البدو للتجارة غير مشروعة لا بهدف الإرهاب أو الجريمة ولكن كنوع من التعايش من أجل لقمة العيش، حتى الإعلام تعمد النظام السابق إقصاءه حتى يستر عورات سيناء بإخفاء مشاكلنا عن الرأى العام فكنا لانراهم إلا فى الأعياد والمناسبات القومية».
«وادى الورد» لا يحمل من اسمه شيئاً.. فالبيوت تطل على قمامة فندق طابا.. والسكان:إنه الهلاك بعينه»
الهجرة إلى القاهرة أو الشمال أو قطع الطريق من القلة والتجارة على الحدود.. حلول لكسب الرزق
فى أرض سيناء للعشوائيات أيضا مكان بارز، فبناء منازل عشوائية لا يحتاج إلا القليل من الإهمال والكثير من اللامبالاة وبعض الوعود المزيفة حتى تكتمل المبررات التى تدفع المواطنين إلى العيش فى ظل القبح، وعلى بعد نصف ساعة تقريبا من معبر طابا الدولى تقع منطقة «وادى الورد»، الاسم يصدمك مع طبيعة الأرض، فرغم طبيعة طابا الجبلية الساحلية الساحرة، فإن أرضها قد تسع أيضا للعشوائيات.
الوضع فى منطقة «وادى الورد» كارثى ليس لانتشار المنازل الصفيح أو المبنية من قش رغم وجود مساكن من طوب خصصتها المحافظة للأهالى ولا لعدم وجود كهرباء أو صرف صحى أو حتى لعدم وجود عيادات صحية تمكن الأهالى من تطعيم أبنائهم أو حتى لانتشار البطالة فحسب، فهى كلها أمور اعتاد عليها أبناء سيناء ولكن ما تتعرض له قبيلة الأحيوات على وجه الخصوص قد يعرض أبناءها للإصابة بأمراض قاتله كالحساسية والصدر أو السرطان الرئوى.
ما يقرب من 40 منزلا من منازل المحافظة التى منحتها لأهالى الأحيوات تطل على مكبات الصرف الصحى والقمامة لفنادق طابا، ليس هذا فحسب بل إن معظم المنازل مشيدة على مخرات السيول، الأمر الذى وصفه أحد أبناء المنطقة لـ«اليوم السابع» أنه «الهلاك بعينه»، أما عن المنازل فحدث ولا حرج المنازل تقع على خط مستقيم توزيعها المتقارب لا يوفر الخصوصية التى يحرص عليها البدوى.
مساحة المنزل الواحد لا تتعدى الـ40 مترا، وهى مساحة قدرناها بعد حساب طول وعرض المنزل، مبنى من الطوب الأبيض ويتكون من غرفتين وصالة صغيرة، وهى المساحة الكاملة لأسرة واحدة مهما كان عددها. جدرانه توضح أنها حديثة الطلاء مما يعكس أن الأهالى أنفقوا على المنازل بعد الحصول عليها.
الشيخ عيد على كبير إحدى عائلات قبيلة الأحيوات تحدث عن التهميش المضاعف لسكان العشوائيات، قائلا: «لموقعنا على المنطقة حدودية فى «وادى الورد» نعانى من تهميش مضاعف سواء من النظام الماضى أو نظام ما بعد الثورة فنحن لسنا مستفيدين من خدمات نويبع أو حتى من خدمات الشمال، وكثير حاولنا الشكوى سواء للمحافظة أو لمجلس المدينة - ليعبر فى أسى - «هنروح نشتكى لمين لو رحت للمحافظ هيطردنى، كتير اشتكينا للمحافظة وللحى»، ولكن الرد دائما يأتى حاسم بحجة أن البيوت شيدت، وهذا أقصى ما فى جهدهم، ورئيس مجلس المدينة دائما ما يصور للمحافظ أن الحياة فى جنوب سيناء مستقرة والبدو بلا مشاكل»، ليكمل فى امتعاض «قبيلة الأحيوات تصدت لعصابات شمال سيناء التى حاولت الهجوم على فنادق الجنوب وقت الثورة مستغلة الانفلات الأمنى، ومع ذلك لا يوجد تقدير من الجهات الحكومية ويتعمدوا تهميشنا وإخراس أصواتنا».
على طول منطقة «وادى الورد» تلاحظ ساترا ترابيا طوله يقرب من 150 سم تقريبا قرب المنطقة السكنية بالسؤال عن هذا الساتر قال الشيخ: «الساتر الترابى بنى بعد الثورة بشكل متعمد من النظام لعزل منطقة البدو السكنية عن باقى المنطقة، ولجأنا كثيرا للشكوى وقطع الطرق للاحتجاج ولكن دون جدوى وأصبح مصير كثير من الشباب الهجرة إلى الشمال أو القاهرة هى الحل الأول لكسب الرزق، وبعض الحالات الفردية التى تلجأ كعمل غير شرعى كقطع الطريق أو التجارة على الحدود مع بعض الدول، ولكن هؤلاء يكونون حالات فردية لا تكون على نطاق واسع خاصة بعد انحصار السياحة بعد الثورة، والتى كنا نعتمد عليها فى المقام الأول، فهؤلاء يكونون وصلوا لمرحلة أخيرة من الاحتياج تضطرهم الظروف لاستخدام تلك الوسيلة بعد انسداد كل خيوط الأمل أمامهم وليس لغرض الإجرام، فعملهم يقتصر على تهريب الحشيش أو السجائر الى إسرائيل، فالدولة أهملتنا وأهملت مطالبنا، ونطالب المجالس المحلية بتشكيل لجان لمناقشة مشاكل بدو الجنوب قبل وصولنا لمرحلة الانفجار».
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى